نشرت الرابطة العالمية للطاقة النووية تقرير الأداء النووي العالمي للعام 2022، والذي تستعرض فيه التغييرات والتطورات التي استجدت في مجال الصناعة النووية العالمية خلال العام 2021. الشيء الأكثر إثارة للاهتمام في التقرير ليس الإحصائيات، بل الاستنتاجات التي قدّمتها المديرة العام للجمعية النووية العالمية WNA، سما بيلباو- واي- ليون. وهي تلقي باللوم على المجتمع العالمي لعدم كفاية جهوده في زيادة حصة الطاقة النووية في مزيج الطاقة العالمي.

الاحصاءات النووية

أنتجت المفاعلات النووية 2653 تيراواط ساعي من الكهرباء في العام 2021. هذا الرقم مرتفع – فقد كان توليد الطاقة أعلى مرتين فقط في تاريخ الطاقة النووية، في 2019 (2657 تيراواط ساعي) وفي 2006 (2660 تيراواط ساعي). بعد الانخفاض الحاد في عام 2012 على خلفية إغلاق اليابان لمفاعلاتها للطاقة بعد كارثة فوكوشيما، أظهرت السنوات التسع اللاحقة اتجاهًا تصاعديًا واضحًا.

ومع ذلك، فإن النمو في توليد الطاقة النووية لم يكن حتى عبر المناطق الجغرافية. فقد ارتفع إنتاج الكهرباء في محطات الطاقة النووية في روسيا وآسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية. بينما كان الوضع في وسط أوروبا وغربها مختلفًا، على الرغم من ذلك: “ازداد التوليد أيضًا في غرب أوروبا ووسطها، لكن الاتجاه العام في هذه المنطقة لا يزال هابطًا. فقد انخفض التوليد للعام الثاني على التوالي في أمريكا الشمالية حيث تم إغلاق المزيد من المفاعلات في الولايات المتحدة “.

من حيث قدرة التوليد، فإن الوضع متناقض أيضًا. من ناحية أخرى، ارتفع إجمالي الاستطاعة المركبة لمحطات الطاقة النووية العاملة (بما في ذلك تلك التي تم إغلاقها ولكن لم يتم إيقاف تشغيلها) إلى 370 غيغاواط في العام 2021، بزيادة قدرها 1 غيغاواط على أساس سنوي إلى مستوى قياسي في تاريخ التوليد النووي. من ناحية أخرى، انخفض عدد مفاعلات الطاقة بمقدار خمسة إلى 436 في نفس الفترة. ووفقًا للتقرير، فإن حوالي 70٪ منها عبارة عن مفاعلات تعمل بالماء المضغوط (PWR).

بلغ استخدام الطاقة النووية في عام 2021 متوسط 82.4٪ على مستوى العالم (80.3٪ في عام 2020)، بعد أن ظل ثابتًا عند حوالي 80٪ منذ عام 2000. وقد يختلف من منطقة إلى أخرى، ولكن في كل منها بقي عامل الاستطاعة عند حوالي المستوى نفسه كما في السنوات الخمس السابقة. “لا يوجد انخفاض مرتبط بالعمر في أداء المفاعلات النووية.  حيث لا يُظهر عامل الاستطاعة المتوسط للمفاعلات على مدى السنوات الخمس الماضية أي تباين إجمالي كبير مع العمر. فقد تم تحقيق تحسينات في متوسط عوامل الاستطاعة العالمية في المفاعلات من جميع الأعمار، وليس فقط المفاعلات الجديدة ذات التصميمات الأكثر تقدمًا” حسب ما جاء في التقرير.

في العام 2021، تم تشغيل ست مفاعلات نووية جديدة. ويبلع عمر معظم محطات الطاقة النووية في العالم من 30- 39 عامًا، رغم أن مساهمة المحطات الحديثة (أقل من 10 أعوام) بدأت في النمو بعد جمود خلال الأعوام 2005- 2010. ففي العام 2019، تجاوز عمر بعض محطات الطاقة النووية العاملة 50 عامًا للمرة الأولى على الإطلاق.

في العام 2021، تم صب الخرسانة الأولى في ثماني مفاعلات نووية كبيرة، وبدأ العمل في مفاعلين نوويين صغيرين. أحدها هو مفاعل نيوتروني سريع بقدرة 300 ميغاواط ومبرد بالرصاص من تصميم روسي BREST-OD-300. كانت تلك الخرسانة الأولى التي صبها من أجل مفاعل نيوتروني سريع خلال العام الفائت. ينتمي BREST إلى مشروع بروريف (من أجل تفاصيل أكثر انظر ما هو بروريف في الأسفل)

في العام 2021، تم إغلاق عشرة مفاعلات للأبد. ويشير التقرير إلى أن “المفاعلات الألمانية الثلاثة والمفاعل التايواني تم إغلاقهما نتيجة لقرار سياسي بالتوقف التدريجي عن توليد الطاقة النووية“.

الذرة موضع نقاش والفحم يُستخدم

في الملاحظات الختامية للتقرير، علّقت سما بيلباو- واي- ليون على بعض الاحداث الرئيسة خلال العام 2021، الأهم ذلك، لخّصت أهم الأخبار الرائجة خلال النصف الأول من العام 2022.

فقد شددت سما بيلباو- واي- ليون، من بين مواضيع أخرى، على أن الطاقة النووية منعت الانبعاثات وبالتالي ساهمت في المستقبل المستدام: “كل ميغاوات ساعي إضافي من الجيل النووي يساعد في مكافحة تغير المناخ ويساعد كل مفاعل على توفير الكهرباء الآمنة والموثوقة“.

الاتجاه الأكثر الأهمية هو الاعتراف المتزايد لدور النووي في إزالة الكربون. وقد أشارت سما بيلباو- واي- ليون إلى انه:” في أروقة المؤتمرات، تبنى المندوبون النوويون، بما في ذلك وفد رائع لممثلي مبادرة ” النووي من أجل المناخ Nuclear4Climate“، الطاقة النووية كجزء حيوي للحدّ من تغير المناخ إلى حد أكبر بكثير من بضع سنوات مضت. بينما كنت في غلاسكو، لم يمر يومًا دون إعلان رئيسي من إحدى الشركات الأعضاء لدينا، أو حكومة أخرى تلتزم بالطاقة النووية كجزء من استراتيجية تخفيف تغير المناخ “.

أمّا الاتجاه الثاني فهو تعطيل سلاسل التوريد: “لقد بدت هشاشة سلسلة إمداد الوقود الأحفوري واضحةً. حيث ارتفعت أسعار الغاز الأحفوري ارتفاعاً هائلاً، وارتفعت معها أسعار الكهرباء. قد يحدث الأسوأ من ذلك، فمن المتوقع أن يرتفع الطلب على الكهرباء والتدفئة في وقت لاحق من العام مع دخول نصف الكرة الشمالي في فصل الشتاء“. وتجدر الإشارة إلى ارتفاع الأسعار على خلفية ضغوط العقوبات الهائلة على روسيا وفرض حظر على واردات الطاقة الروسية إلى أوروبا. مع وصول المزيد من عمليات الحظر، تصبح الإمدادات أقل موثوقية.

وهذا ما يطلق الاعتراف بالدور المتزايد للذرة في تحقيق هدف صافي الصفر – فالدول تشعر بالقلق بشأن الوقود الأقل تكلفة بدلاً من بناء مفاعلات طاقة جديدة. وقالت المديرة العامة للجمعية النووية العالمية متأسفةً:” الحقيقة القاسية هي أنه رغم هذا الالتزام المعزز بالتقنيات النووية وغيرها من التقنيات منخفضة الكربون، فإن النمو في الطلب على الطاقة، الذي نُظر إليه على أنه بدء تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة كوفيد-19، تمت تلبيته بشكل أساسي من خلال زيادة استخدام الوقود الأحفوري”. وأشارت إلى أن الحكومات الوطنية واجهت التحدي المتمثل في تأمين إمدادات الطاقة لبلدانها في ذلك الوقت ولاحقًا، في ظروف الرياح الجيوسياسية المعاكسة. لذلك تمت إعادة تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في ألمانيا والنمسا وهولندا والمملكة المتحدة، بينما تسارعت وتيرة توليد الكهرباء بالفحم في الهند والصين “لقد شهدنا بالفعل انتعاشًا في مجال الوقود الأحفوري. والخطط طويلة الأجل لمستقبل أكثر أمانًا منخفض الكربون يجب أن تنتظر في طابور خلف التحولات قصيرة الأجل لأي شكل للطاقة متاح، نظيف أو متسخ“.

على النقيض من ذلك، يتم إغلاق محطات الطاقة النووية التي تساهم في توليد الطاقة الخالية من الكربون ويمكن أن تنتج طاقة نظيفة لأسباب سياسية واقتصادية. تستشهد سما بيلباو- واي- ليون، كمثال، بمحطة باليساديس النووية الأمريكية لتوليد الطاقة النووية التي حصلت على ترخيص تشغيل حتى العام 2031، وكان من الممكن أن تعمل لعدة سنوات أخرى. مثال آخر هو ألمانيا التي يزيد عمر محطاتها النووية عن 30 عامًا بقليل، ولكن تم إغلاقها جميعًا لأسباب سياسية فقط. “في الوقت الذي يكون فيه كل كيلوواط ساعي من الطاقة النظيفة الآمنة ثمينًا، ويجب تحفيز إطالة العمر التشغيلي للمحطات النووية الحالية، فإن العقيدة السياسية المضللة تزيد الأمور سوءًا“، كما تقول رئيسة الجمعية النووية العالمية.

في العام 2021، أعلنت عدة دول عن خططها لبناء مفاعلات جديدة، وقد شرحت سما بيلباو- واي- ليون قائلة:” إننا بحاجة إلى وضع البنى التحتية البشرية والمادية والتجارية والمؤسساتية التي ستسمح للقطاع النووي العالمي بالتوسع بسرعة لتلبية الاحتياجات الملحة والهائلة لإزالة الكربون.”

تُظهر الاستثمارات في المشاريع الجديدة كيف أن البلدان المختلفة مستعدة بالفعل لزيادة التوليد النووي. يحتوي تقرير الجمعية النووية العالمية على بيانات عن الاستثمارات في البرامج النووية الوطنية في ستة بلدان.

على سبيل المثال، خصصت الولايات المتحدة الأمريكية 6 مليارات دولار أمريكي لبرنامج الائتمان النووي المدني بموجب قانون الاستثمار والوظائف. بالإضافة إلى ذلك، قدّم بنك اليابان للتعاون الدولي في أبريل/ نيسان 2022 تمويلًا بقيمة 110 مليون دولار أمريكي لشركة NuScale Power التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها لتطوير مفاعلات نووية صغيرة.

كما كشفت وكالة الطاقة السويدية عن خطط لتخصيص 99 مليون كرونة سويدية (10.6 مليون دولار أمريكي) لمشروع مشترك بين يوني بر السويدية وليدكولد. حيث سيتم استخدام الأموال لتمويل إنشاء مفاعل معياري صغير مبرد بالرصاص من LeadCold SEALER (مفاعل الرصاص المتقدم السويدي). من المتوقع أن يتم بناؤه في مصنع أوسكارشامن.

في مايو/ أيار 2022، أعلنت حكومة بلجيكا أن المركز البلجيكي للأبحاث النووية (SCK-CEN) سيتلقى 100 مليون يورو لتمويل الأبحاث في تكنولوجيا المفاعلات الصغيرة.

في ديسمبر/ كانون الأول 2021، أدرجت الحكومة الهولندية الطاقة النووية في استراتيجيتها الوطنية للمناخ والطاقة وأعلنت عن خطط لبناء مفاعلين جديدين. وسيتم تخصيص حوالي 5 مليارات يورو لمحطة الطاقة النووية الجديدة حتى عام 2030.

كشفت فرنسا النقاب عن خطط لبناء ست مفاعلات مضغوطة أوروبية (EPR) وتنظر في بناء ثماني مفاعلات أخرى وأيضًا عدد من المفاعلات النووية الصغيرة كجزء من دراسة Energy Futures 2050. لم يتم تحديد الاستثمارات بالضبط بعد. لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحدّث في وقت سابق عن “بضع عشرات المليارات من اليورو“.

أخيرًا، في مارس/ آذار 2021، حصلت أكويو النووية (جزء من روساتوم) على قرضين من سوفكومبنك مقابل 100 مليون دولار أمريكي و200 مليون دولار أمريكي لتمويل بناء محطة الطاقة النووية التي تحمل الاسم نفسه. بالإضافة إلى القرضين المذكورين في التقرير، وقعت أكويو النووية اتفاقية قرض غير متجدد بقيمة 500 مليون دولار أمريكي مع بنك أوتكريتي في أبريل/ نيسان من العام نفسه. وكما يعلم قراؤنا، تقوم شركة روساتوم ببناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا تتكون من أربع مفاعلات VVER-1200، وكلها قيد الإنشاء الآن.

من الغريب أنه يمكن أيضًا العثور على مثال عكسي دوليًا، بأموال لم تُمنح لمحطات الطاقة النووية بل سُحبت منها. “في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2021، أُعلن أنه سيتم إعادة توجيه أرباح محطة كوزلودوي النووية لتقديم إعانات بقيمة 56 يورو لكل ميغاوات في الساعة للعملاء الصناعيين. وقد تم اتخاذ الإجراء لحماية الصناعة من أسعار الطاقة التي يقودها الغاز والفحم“، كما يقول التقرير.

هل يمكن وصف الحالة الراهنة في الصناعة النووية بأنها مُرْضية؟ تعتقد سما بيلباو- واي- ليون أن وتيرة التنمية الحالية بطيئة للغاية. حيث تقول:” يجب أن تزداد وتيرة البناء النووي الجديد. في عام 2021، تم صب الخرسانة الأولى لعشر مفاعلات جديدة. ورغم أن هذا أفضل مما كان عليه الحال في السنوات الأخيرة، لكننا ما زلنا بحاجة إلى رؤية بناء عشرين أو ثلاثين أو أكثر مفاعل جديد كل عام قريبًا، للتأكد من أن الطاقة النووية تلعب الدور الذي ينبغي أن تلعبه في توفير مستقبل صافي صفر آمن ومستدام “.

ما هو بروريف

بروريف (وتعني اختراق باللغة الروسية) هو مشروع لروساتوم والذي ينص على إنشاء منشأة طاقة نووية متكاملة تتكون من محطة نووية ووحدة لإعادة معالجة الوقود النووي وإعادة تصنيعه. كما يهدف بروريف إلى الإزالة النهائية لجميع النفايات المشعة من دورة إنتاج الوقود والتخلص منه. ستساهم المنشأة المتكاملة في تحقيق عدد من الأهداف هي:

1.القضاء على حوادث المفاعلات النووية التي تتطلب الإخلاء، أو على الأقل إعادة توطين السكان المحليين؛

2. جعل الطاقة النووية قادرةً على المنافسة مع محطات توليد الطاقة ذات الدورة المركبة وطاقة الرياح والطاقة الشمسية على أساس التكلفة المستوية للطاقة الكهربائية LCOE؛

3. إغلاق دورة الوقود النووي لزيادة الاستفادة من الطاقة الموجودة في اليورانيوم الطبيعي.

4. تعلّم طريقة تحويل النفايات النووية إلى مادة معادلة للمواد المشعة الطبيعية.

5. تعزيز عدم الانتشار من خلال التحسينات التكنولوجية، بما في ذلك التخلي عن تخصيب اليورانيوم لتوليد الطاقة النووية، وإنتاج البلوتونيوم المخصص لصنع الأسلحة، وفصل البلوتونيوم أثناء إعادة معالجة الوقود المستهلك، فضلًا عن تقليل الحاجة إلى نقل المواد النووية.

الأول والأسرع

تعتبر روسيا رائدةً عالميًا في مجال تكنولوجيا المفاعلات السريعة. فبصرف النظر عن مشروع بروريف بمفاعله النيوتروني السريع BREST-OD-300 المبرد بالرصاص، تقوم شركة روساتوم ببناء مفاعل MBIR للأبحاث النيوترونية السريعة متعدد الأغراض. وتعتبر روسيا الدولة الوحيدة التي تشغل مفاعلين نيوترونيين سريعين مبردين بالصوديوم – BN-600 وBN-800 – في محطة بيلويارسك للطاقة النووية. في سبتمبر/ أيلول، تم تحميل BN-800 بالكامل بوقود أكسيد مختلط (موكس- MOX). كما يوجد مفاعل آخر أكثر قوة ومبرد بالصوديوم (1200 ميغاواط كهربائي)- مفاعل BN-1200- قيد التطوير حاليًا.

قال نائب المدير العام للوكالة، ميخائيل شوداكوف، في أسبوع الطاقة الروسي:” إن هناك حاجة إلى استثمار حوالي 3 تريليونات دولار أمريكي في الطاقة النووية خلال الثلاثين عامًا القادمة لتحقيق أهداف المناخ العالمية“.