لطاقة النووية تعني الاستقرار
اشترك في النشرة الأخبارية
اشترك
#260ديسمبر 2022

لطاقة النووية تعني الاستقرار

العودة إلى المحتويات

أظهر عام 2022، مرّةً أخرى، أهمية الطاقة النووية في مزيج الطاقة العالمي. وبينما كان التركيز في البداية على الطبيعة غير الكربونية للطاقة النووية، لكنّه تحول بمرور الوقت إلى الخاصية المهمة لمحفظة كل مستهلك – استقرار الأسعار.

الاعتراف بالمساهمة في صفر الانبعاث

تمَّ الحديث كثيرًا خلال العام الفائت حول أهمية الطاقة النووية في تحقيق الهدف الصفري الصافي، لكن الأدلة ذات الصلة على أهميتها لم تتحقق قبل هذا العام.

من المحتمل أن يكون أكثرها صلة بالموضوع هو إدراج الطاقة النووية في تصنيف الاتحاد الأوروبي للأنشطة المستدامة. فقد تم نشر معايير الاستدامة لمشاريع الطاقة النووية في وقت مبكر من هذا العام. تبع ذلك بحثٌ صارمٌ أجرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا ومركز الأبحاث المشتركة (حيث أكدت المنظمتان أن المحطات النووية آمنة ولها أقل تأثير في المناخ)، ونقاشاتٌ محتدمةٌ، وتأييدُ ومعارضةُ سياسيين رفيعي المستوى. بعد ذلك كلّه، وافقت السلطات المختصة في الاتحاد الأوروبي على المعايير. يشمل التصنيف الأوروبي، الآن، أنشطةً مثل بناء محطات الطاقة النووية التي تم إصدار تصريح البناء لها بحلول عام 2045، وتعديل المنشآت النووية الحالية لأغراض التمديد المصرح به بحلول عام 2040، والتكنولوجيا المبتكرة (مفاعلات الجيل الرابع). وستطبق معايير الاعتراف بالمشروعات النووية المستدامة اعتبارًا من 1 يناير/ كانون الثاني 2023.

لم تكن أوروبا هي الرائدة في الاعتراف بمساهمة الطاقة النووية في مستقبل خالٍ من الكربون – بل أدرجت الصين وروسيا الطاقة النووية في تصنيفاتهما الوطنية مسبقًا. علاوةً على ذلك، حصلت روساتوم بالفعل على عديد من القروض “الخضراء” لبناء محطة آكويو للطاقة النووية في العام 2021. على أي حال، غالبًا ما تحذو البلدان الأخرى حذو أوروبا وتتبنى برامج تفضيلية، مستوحاة من الاتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثال، أدرجت الحكومة الكندية المفاعلات المعيارية الصغيرة في قائمة التقنيات التي قد تنطبق عليها ائتمانات ضرائب الاستثمار، وذلك في نوفمبر/ تشرين الثاني.

يمكننا أن نفترض أن إدراج مشاريع الطاقة النووية في تصنيف الاتحاد الأوروبي جعل منظمي مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2022 (COP 27) يوافقون على جناح “نووي”. وقد صرّحت بولينا ليون، كبير مسؤولي الاستدامة في روساتوم قائلةً: “على حدّ علمي، تقدّمت كل من الرابطة النووية العالمية والوكالة الدولية للطاقة الذرية مرارًا وتكرارًا بطلبات لمثل هذا الجناح، لكن المنظمين لم يوافقوا على ذلك مطلقًا. هذا العام، تمت الموافقة أخيرًا على الطلب، وأعتبر هذا إنجازًا رائعًا وإشارةً إلى أن منظمي مؤتمر تغير المناخ العالمي قد غيّروا موقفهم تجاه الطاقة النووية ودورها في إزالة الكربون في الاقتصاد”.

لا يرمز الجناح إلى تقدير المنظمين للطاقة النووية فحسب، بل يقّدم، أيضًا، فرصةً للزوار لمعرفة مزيد عن قدرات التكنولوجيا النووية والتخلص من التحيز. تسارعت هذه العملية في جميع أنحاء العالم.

أزمة الطاقة

كان التقدير المتزايد للطاقة النووية مدفوعًا بشكل أساسي بأزمة الطاقة التي أثّرت في فواتير الجميع – وبشكل بارز المستهلكين في أوروبا. اندلعت الأزمة في النصف الثاني من العام 2021 عندما بدأت أسعار الطاقة، وعلى الأخص سعر الغاز، في الارتفاع. تكثف هذا الاتجاه بشكل كبير في العام 2022 على خلفية العقوبات ضد روسيا. فقد ارتفع سعر الغاز الطبيعي من حوالي 200 دولار أمريكي لكل 1000 متر مكعب في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى 3000 دولار أمريكي في عام 2022. واعتبارًا من أوائل ديسمبر/ كانون الأول 2022، استقر السعر عند حوالي 1500 دولار أمريكي لكل 1000 متر مكعب. سرعان ما تبعت الكهرباء الطاقة: في أوروبا، فارتفع متوسط سعر الطاقة الكهربائية من حوالي 50 يورو / ميغاواط ساعة قبل الأزمة إلى 1000 يورو / ميغاواط ساعة في العام 2022. ووفقًا لـيوروستات، تراوحت أسعار الكهرباء غير المنزلية في النصف الأول من عام 2022 من 80 يورو / ميغاواط ساعة في فنلندا إلى 300 يورو/ ميغاواط ساعة في اليونان. واعتبارًا من 1 ديسمبر/ كانون الأول 2022، بلغ سعر الكهرباء في منصة Power Exchange Central Europe  367.61 يورو / ميغاواط ساعة.

وبما أنّ الطاقة الكهربائية تشكّل جزءًا كبيرًا من تكاليف الأعمال والنفقات المنزلية، لذلك من الطبيعي أن يثير الجمهور والشركات والحكومات مسألة استقرار الأسعار بشكل متزايد في كثير من الأحيان. وقد صرّح كيريل كوماروف نائب الرئيس التنفيذي لتطوير الشركات والأعمال الدولية في روساتوم خلال حديثه في “أتوم إكسبو-2022: “تُعدّ محطات الطاقة النووية المصدر الوحيد للطاقة النظيفة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ولا تعتمد تكلفة الكهرباء التي تولدها على الطقس أو تقلبات سوق السلع. أمّا في إنتاج الكهرباء الأحفورية، فيمثل سعر الوقود 60٪ إلى 80٪ من إجمالي التكاليف، لذا فإن أي زيادة في الأسعار تترجم على الفور إلى زيادة في سعر الكهرباء. في مجال التوليد النووي، تقل حصة الوقود عن 5٪ من تكاليف الكهرباء، لذلك لن يلاحظ أحد حتى زيادة في أسعار الوقود النووي“.

وقد ردد جورجي فوتين، الرئيس التنفيذي لشركة بايمسكايا ما قاله كيريل كوماروف: “عندما كنا نقرر خيار تزويد الطاقة الذي نختاره، فكرنا في الفحم والغاز الطبيعي المسال ومصادر أخرى لكننا اخترنا الطاقة النووية. إن إمكانية بناء نموذج مالي وعرضه على البنوك هي عامل حاسم بالنسبة لنا كمستثمرين”. حيث تدير شركة بيمسكايا منجم بايمسكايا، وهو موقع كبير للتعدين والمعالجة في رواسب الذهب والنحاس في بيشانكا بشبه جزيرة تشوكوتكا (شمال شرق روسيا). وسيتم تزويده بالطاقة الكهربائية من محطة طاقة نووية عائمة مطورة صممتها روساتوم.

هذا ويُعدّ إبرام عقود طويلة الأجل ممارسةً شائعةً لشركة روساتوم. على سبيل المثال، وقّعت الشركة النووية الروسية ومحطة الضبعة للطاقة النووية في مصر عقدًا لتوريد الوقود لمدة 60 عامًا، وهي مدة الخدمة الكاملة للمحطة.

جانب آخر من جوانب الاستقرار هو مجموعة كاملة من التقنيات، من تصميم المصنع إلى إيقاف التشغيل ومن تعدين اليورانيوم إلى إدارة الوقود المستهلك. حيث أكّد كيريل كوماروف للحضور في المؤتمر الصحفي أن شركة روساتوم يمكنها تقديم كل هذه التقنيات وجعلها تعمل بكامل طاقتها.

وخلال حديثه في “أتوم إكسبو 2022″، لخّص وزير الخارجية والتجارة المجري بيتر زيجارتو المزايا الرئيسية لتوليد الطاقة النووية بقوله: “تعد محطات الطاقة النووية أكثر مصادر توليد الطاقة توازنًا ونظافة وأكثرها قابلية للتنبؤ بها. لدينا أربع مفاعلات طاقة عاملة في البلاد، مما يمنع 100 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا. بعد تشغيل المفاعلات الجديدة في محطة باكس للطاقة النووية، سيزداد هذا الرقم. إضافةً إلى أن الطاقة النووية ستساعدنا في الحفاظ على مستوى مضمون لأسعار الكهرباء في البلاد. كلما ازدادت مساهمة الطاقة النووية في مزيج الطاقة لديك، كلما شعرت بالأمان في أزمة الطاقة الحالية“.

مالٌ جديدٌ

تعتقد سما بيلباو- واي- ليون، المدير العام للجمعية النووية العالمية أن الجهود المستثمرة في الطاقة النووية غير كافية. كما وضع نائب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ميخائيل شوداكوف هذا النقص في أرقام: ستتطلب السنوات الثلاثين القادمة استثمارات بقيمة 3 تريليونات دولار أمريكي، أو ستة أضعاف ما تم استثماره في الثلاثين عامًا الماضية (0.5 تريليون دولار أمريكي). يجب أن ينمو عدد المفاعلات التي يتم تشغيلها كل عام من 3 إلى 4 مرات (للمقارنة، تم تشغيل ست مفاعلات في العام الماضي).

مهما كانت التوقعات، فإن الأموال الأولى بدأت في التدفق. بالإضافة إلى الاستثمارات المذكورة في تقرير الجمعية النووية العالمية (انظر مقال أقوال بلا أفعال في عدد أكتوبر/ تشرين الأول من النشرة الإخبارية)، كما نود أن نذكر بعض إعلانات الاستثمار الأخرى.

في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2022، ذكرت وسائل الإعلام الهولندية أنه تم تخصيص 5 مليارات يورو لبدء العمل في مفاعلين كبيرين للطاقة، من المفترض أن يتم بناؤهما بالقرب من محطة بورسيلي للطاقة النووية العاملة حاليًا. ومن المتوقع أن يتم تشغيل المفاعلات الجديدة في موعد أقصاه عام 2035.

أبرم بنك البنية التحتية الكندي (CIB) اتفاقيةً مع أونتاريو لتوليد الطاقة (OPG)، وخصص 970 مليون دولار أمريكي لبناء أول مفاعل معياري صغير في كندا. كما يستثمر البنك التجاري الدولي في المرحلة الأولى من المشروع التي تشمل هندسة التصميم، وإعداد الموقع، وشراء المعدات طويلة الأمد وغيرها

وجّه بنك التصدير والاستيراد في الولايات المتحدة (EXIM)، خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2022، رسالتي اهتمام في تمويل الخدمات الهندسية لما قبل المشروع للوحدتين الثالثة والرابعة من محطة تشرنافودا للطاقة النووية في رومانيا. حيث جاء في بيان صادر عن المشغل النووي الروماني النووي الكهربائي: “استنادًا إلى المعلومات الأولية المقدمة، سيكون بمقدور بنك التصدير والاستيراد في الولايات المتحدة النظر في تمويل ما يصل إلى 50000000.00 دولار أمريكي من عقد التصدير الأمريكي للخدمات الهندسية لما قبل المشروع كجزء من برنامج المضاعف الهندسي (EMP) وما يصل إلى 3 مليارات دولار أمريكي من عقد التصدير الأمريكي لخدمات الهندسة وإدارة المشاريع للوحدتين الثالثة والرابعة من محطة تشرنافودا للطاقة النووية عقد إتمام“. وتجدر الإشارة إلى أن هذا البنك يموّل فقط السلع والخدمات التي تنشأ من “موطنه”. “ما يصل إلى 3 مليارات دولار أمريكي” لخدمات الهندسة وإدارة المشاريع يعني، في الواقع، اختيار التكنولوجيا الأمريكية. لكن، أولاً وقبل كل شيء، سيكون هناك وحدتان، ولن تكفي 3 مليارات دولار لبنائهما. ثانيًا، تم بناء وحدتين من محطة تشرنافودا للطاقة النووية الوحيدة في رومانيا وفقًا للتصميم الكندي. مع أخذ ذلك في الاعتبار، قد نفترض أنه من المنطقي أن تبني رومانيا المفاعلات الجديدة بنفس تقنية الماء الثقيل – فقط بسبب الخبرة المكتسبة في تشغيل مثل هذه المفاعلات. علاوةً على ذلك، تم إغلاق آخر مفاعل أمريكي تم بناؤه بهذه التقنية في عام 1963.

إلى جانب ذلك، قدّمت وكالة التجارة والتنمية الأمريكية منحةً قدرها 14 مليون دولار أمريكي لشركة RoPower Nuclear SA، وهي شركة المشروع التي أنشأتها مؤخرًا شركة Nuclearelectrica وNova Power & Gas. حيث سيتم استخدام المنحة في دراسة الهندسة والتصميم لتعزيز مشروع تطوير أول محطة للطاقة النووية تعمل وفق مفاعل نووي صغير في رومانيا.

أما بالنسبة لروساتوم، كالعادة، فقد جسّدت تطوير الطاقة النووية بشكل ملموس. فقد بدأت روساتوم، هذا العام، أعمال البناء في الوحدة الثامنة من محطة تيانوان، والوحدة الرابعة من محطة شوداباو، ووحدتين في محطة الطاقة النووية في الضبعة.

كما تأتي آخر الأخبار من مواقع البناء النووية من البرازيل حيث تم استئناف بناء أنغرا 3. المهمة ذات الأولوية هي الانتهاء من صب الخرسانة لقبة الاحتواء الداخلي. كما سيتم الإعلان قريبًا عن مناقصة استكمال الأعمال الإنشائية. وفي 2 كانون الأول/ ديسمبر، بدأت إيران بناء محطة كارون للطاقة النووية بمفاعل ماء مضغوط بقدرة 300 ميغاواط. وسيكون هذا أول مفاعل نووي معياري لإيران (تعتبر جميع المفاعلات بقدرة تصل إلى 300 ميغاواط صغيرة).

توجّه نحو المفاعلات المعيارية الصغيرة

تزايد الطلب على المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة هو اتجاه آخر اكتسب زخمًا هذا العام. حيث تعتبر المفاعلات المعيارية الصغيرة جذابة للبلدان ذات الإنتاج المنخفض، والدول الجزرية، والمناطق النائية. كما يهتم أصحاب المشاريع الكبيرة، التي يمكن توصيلها بالشبكة، بتثبيت المفاعلات النووية المعيارية لضمان استقرار الأسعار.

هذا وتعتبر روسيا رائدةً في تكنولوجيا المفاعلات النووية المعيارية: حيث تعمل محطة أكاديميك لومونوسوف للطاقة النووية العائمة منذ عامين؛ ووحدات الطاقة العائمة لتزويد الطاقة لشركة بايمسكي غوك قيد الإنشاء حاليًا؛ ومشروع مفاعل نووي صغير شاطئي قيد التطوير في ياقوتيا. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الصين مفاعلًا عالي الحرارة مبردًا بالغاز في عام 2021. ووفقًا لما ذكره الرئيس التنفيذي لشركة روساتوم أوفرسيز، يفغيني باكرمانوف، فإن روساتوم تجري محادثات حول بناء مفاعل معياري صغير مع عدد من الدول الأفريقية. وقد صرّح كيريل كوماروف بثقة في أتوم إكسبو: “يمكن للمفاعل المعياري الصغير أن يجد دائمًا مكانه في مزيج الطاقة في أي بلد“.

باختصار، لقد أظهر هذا العام أن الطاقة النووية أصبحت مرادفة تقريبًا للاستقرار. ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني، لسبب واحد، عقودًا جديدة طويلة الأجل لتوريد الوقود النووي ومكوناته للتخفيف من مخاطر التقلبات – لقد أنتج هذا العام بالفعل عددًا من الأمثلة. يمكننا أيضًا أن نفترض أن العام المقبل سيأتي بمزيد من القرارات لبدء البناء والاستثمارات المخصصة (وليس المعلنة فقط) في الطاقة النووية. لا يمكن أن يكون هذا سوى شيء إيجابي لأنه، كما يظهر من تاريخ تكنولوجيا الطاقة المتجددة، يحفّز الاستثمارات على تطوير وتسويق التكنولوجيا. نتيجة لذلك، تنخفض تكاليف البناء وتظهر عروض جذابة في السوق.