تمويل الاحتياجات النووية
اشترك في النشرة الأخبارية
اشترك
#273يناير 2024

تمويل الاحتياجات النووية

العودة إلى المحتويات

جاء في مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف (COP28) هذا العام أن الطاقة النووية تعاني نقص التمويل. ونتيجة لذلك، لم تتحقق قدرتها على توليد الكهرباء النظيفة والآمنة، والتي تتزايد الحاجة إليها عاماً بعد عام. وبالتالي، يحتاج القطاع إلى تمويل طويل الأمد وغير مكلف وموثوق لجعل توليد الطاقة النووية في المتناول.

ثلاثة أضعاف الاثنين

أُبرم بيانان حول مضاعفة توليد الطاقة النووية ثلاث مرات في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين. فقد وقّع الاتفاقية الأولى مسؤولون رفيعو المستوى من 22 دولة. ولكن توجد حاجة إلى زيادة ثلاثة أضعاف للوصول إلى مستوى الصفر من انبعاثات الغازات الدفيئة، أو الحياد الكربوني، في جميع أنحاء العالم بحلول منتصف القرن تقريبا والحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.

التزم الموقعون، من بين أمور أخرى، بالعمل معًا لتحقيق هدف عالمي طموح يتمثل في مضاعفة قدرة الطاقة النووية ثلاث مرات اعتبارًا من عام 2020 بحلول عام 2050، مع الاعتراف بالظروف المحلية المختلفة لكل مشارك، واتخاذ إجراءات محلية لضمان تشغيل محطات الطاقة النووية بشكل مسؤول، بما يتماشى مع أعلى معايير السلامة والاستدامة وعدم الانتشار، وأن تتم إدارة نفايات الوقود بشكل مسؤول على المدى الطويل. كما يعتزم الموقعون الاستثمار في الطاقة النووية، بما في ذلك من خلال آليات التمويل المبتكرة، ودعوة البنك الدولي والمساهمين في المؤسسات المالية الدولية الأخرى إلى تشجيع إدراج الطاقة النووية في سياسات الإقراض في مجال الطاقة التي تنتهجها منظماتهم.

أما البيان الثاني بشأن مضاعفة القدرة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050، وهو تعهد صافي الصناعة النووية الصفري، فقد وقّع عليه أكثر من 120 شركة تعمل في 140 دولة، ومن بينها روساتوم.

يدرك الموقعون على تعهد صافي الصناعة النووية الصفري أنه “من خلال ضمان قدرة الطاقة النووية على الوصول إلى التمويل المناخي على قدم المساواة مع مصادر الطاقة النظيفة الأخرى، تستطيع الحكومات تمكين نشر القدرات النووية على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم“. كما أنهم “يطلبون من الحكومات والبنك الدولي وبنوك التنمية المتعددة الأطراف ضمان حصول الطاقة النووية على تمويل المناخ على قدم المساواة مع مصادر الطاقة النظيفة الأخرى“. وبفضل هذا الدعم المالي، ستزيد الصناعة النووية مساهمتها في التخفيف من آثار تغير المناخ من خلال نشر مزيد من الطاقة في جميع أنحاء العالم.

وقالت سما بلباو إي ليون، المدير العام للرابطة النووية العالمية، بمناسبة التوقيع على تعهد صافي الصناعة النووية الصفري: “لقد حان الوقت للمضي قدمًا: فلنترجم الطموح إلى سياسات عملية، والنوايا الحسنة إلى تمويل ميسور التكلفة، والمواعيد النهائية إلى تسليم مشاريع الطاقة النووية الجديدة في الوقت المحدد وفي حدود الميزانية“.

قال كيريل كوماروف، النائب الأول للمدير العام لتطوير الشركات والأعمال الدولية في روساتوم:” إننا ندرك الحاجة الملحة لمعالجة تغير المناخ، والطاقة النووية هي حل مثبت وسريع ومستدام لتحديات إزالة الكربون. إننا نؤكد من جديد، من خلال الانضمام إلى تعهد الشركات النووية، التزامنا بالعمل مع الحكومات الوطنية وأصحاب المصلحة لزيادة القدرة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050“.

لا يمكن اعتبار الإشارة إلى البنك الدولي في كلا الالتزامين مصادفة. فمن غير هذه المؤسسة المالية الدولية ينبغي له أن يمول المشاريع التي تساهم في حل المشاكل العالمية مثل تغير المناخ؟

علاوة على ذلك، قام البنك الدولي ذات مرة بتمويل بناء محطة للطاقة النووية. “من الحقائق غير المعروفة أن البنك الدولي قام بتمويل محطة للطاقة النووية. في 16 سبتمبر/ أيلول 1959، قدم البنك قرضًا يعادل 40 مليون دولار أمريكي لبناء محطة طاقة نووية باستطاعة 150 ألف كيلووات في إيطاليا (القرض 0235). وكانت هذه أول محطة للطاقة النووية في إيطاليا، وقد موّل قرض البنك ما يقرب من ثلثي تكلفة البناء. كما شمل المشروع الأعمال المدنية ومحطة فرعية وحوالي 60 ميلاً من خطوط النقل. وبطبيعة الحال، فإن العبارة الأولية “إنها حقيقة معروفة قليلا” قد تثير ابتسامة حزينة في أحسن الأحوال، لأنه منذ تقديم القرض، ومضي أكثر من ستين عامًا، اندلعت أزمتان كبيرتان في مجال الطاقة وانفجرتا، ما يؤكد أهمية الطاقة النووية بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، وحتى كتيب قرض البنك الدولي للطاقة النووية، الذي أُخذ منه الاقتباس أعلاه، قد طبع في طبعتين، ولكن لم تكن هناك حالة ثانية لتمويل محطة نووية على الإطلاق.

ومع ذلك، يتم بناء محطات الطاقة النووية، ما يعني تخصيص الأموال لها. تعد روساتوم شركة رائدة عالميًا في مجال البناء الجديد، لذا فهي تتمتع بالخبرة الأكثر صلة.

أمثلة على التمويل

قُدّم قرض تصدير مدعوم من الحكومة لتمويل بناء محطة الطاقة النووية البيلاروسية ذات المفاعلين. وُقّعت اتفاقية القرض بين روسيا وبيلاروسيا في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. وعُدّلت شروطها في يوليو/ تموز 2020 ثم في مارس/ آذار 2023 لإتاحة القرض حتى نهاية عام 2023. وسيتم سداد أصل المبلغ ابتداء من 1 أبريل/ نيسان 2024 في ثلاثون قسطاً متساوياً كل 6 أشهر. تم تغيير سعر الفائدة من مختلط إلى ثابت (3.3%). تم تشغيل وحدتي الطاقة في محطة الطاقة النووية البيلاروسية.

كما يُموّل بناء محطة روبور للطاقة النووية في بنغلادش بقرض مدعوم من الحكومة. وفي يوليو/ تموز 2016، وافقت الحكومة الروسية على تسهيل ائتماني بقيمة 11.38 مليار دولار أمريكي لتغطية ما يصل إلى 90٪ من كل عقد من عقود توريد السلع والخدمات في الفترة 2017-2024. وتنص شروط القرض على فترة سماح مدتها 10 سنوات، على أن يبدأ السداد في العام 2027، وبشكل نصف سنوي. وقد سُلّمت الدفعة الأولى من الوقود النووي إلى روبور في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ولتمويل محطة آكويو للطاقة النووية في تركيا، والتي تُبنى على أساس البناء والتملك والتشغيل (BOO)، حصلت روساتوم على قروض “مستدامة” من البنوك التجارية لأول مرة في تاريخ الصناعة النووية. في مارس/ آذار 2021، حصلت شركة آكويو النووية (جزء من روساتوم) على قرضين لمدة 7 سنوات بقيمة 200 مليون دولار أمريكي و100 مليون دولار أمريكي من سوفكومبانك. وفي أبريل / نيسان من نفس العام، قدم بنك أوتكريتي Otkritie للشركة تسهيلات ائتمانية غير متجددة بقيمة 500 مليون دولار أمريكي لمدة 7 سنوات. تتطلب شروط القروض امتثال شركة آكويو النووية لبعض مواثيق الاستدامة للتمتع بمعدل فائدة أقل. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أُصدر تصريح التشغيل للوحدة الأولى من محطة آكويو.

خيارات أخرى

نوقش نموذجان لتمويل بناء محطات نووية جديدة في جميع أنحاء العالم بشكل واسع، وهما عقود الفروقات (CfD) وقاعدة الأصول المنظمة (RAB).

بالآلية الأولى تضمن الحكومة سعر الكهرباء للمستثمر. وهذا ينطوي على مخاطر وفوائد. فإذا كان سعر السوق أقل من السعر المضمون، تقوم الحكومة بتعويض شركة التوليد عن الفارق. أما إذا كان السعر أعلى فإن شركة التوليد هي التي تدفع الفرق. والعيب في خيار التمويل هذا هو أن مالك المشروع النووي سيتحمل جميع تكاليف البناء الأولية ومخاطرها.

وبموجب نموذج قاعدة الأصول المنظمة، يتحمل المستهلكون التكاليف الرأسمالية جزئيًا عن طريق زيادة التعريفات النهائية بالفعل أثناء إنشاء مرافق جديدة. وتعوّض الحكومة جزءًا آخر من التكاليف الرأسمالية. بفضل هذا المزيج، تنخفض فترة الاسترداد، ولا ترتفع التعريفات بشكل حاد للغاية، ويحصل المستثمر على أمواله. إحدى مزايا هذا النموذج هي إمكانية الحصول على قروض بسعر أقل بسبب عائد ضمان الاستثمار.

طّوّر نموذج قاعدة الأصول المنظمة، في البداية في المملكة المتحدة للحصول على مستثمرين في البنية التحتية ثم انتشر إلى بلدان أخرى. وقد استُخدمت هذه الآلية على نطاق واسع لتمويل المحطات النووية في الولايات المتحدة الأمريكية في السبعينيات والثمانينيات. وكانت بعض هذه المشاريع ناجحة بينما واجه بعضها الآخر تجاوزات في التكاليف وتأخيرًا في الإنجاز وحتى التخلي. كان هذا هو المثال المؤسف للوحدتين الثانية والثالثة من محطة فيرجل سي سمر النووية التي بنتها شركة ويستنغهاوس. فقد أفلست الشركة بسبب تأخير المشروع وتجاوز التكاليف، وتكبد المساهم الرئيس فيها، شركة توشيبا اليابانية، خسائر فادحة واضطرت إلى بيع عدد من أصولها (بما في ذلك وستنغهاوس)، وقرر ملّاك محطة فيرجل سي سمر إيقاف البناء.

لا يزال النموذجان يستخدمان لتمويل إنشاء محطات الطاقة النووية في المملكة المتحدة. على سبيل المثال، يتم تمويل محطة هينكلي بوينت سي Hinkley Point C من خلال عقود الفروقات، ولكن المحطة تعاني مشاكل في التمويل. وجاءت الأخبار في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بأن الشركة العامة الصينية للطاقة النووية (CGN) علقت مدفوعات تمويل المنشأة، لذلك قد يُحوّل عبء التمويل بالكامل إلى صندوق كهرباء فرنسا. يحق للشركة العامة الصينية للطاقة النووية القيام بذلك، لأن تجاوزات التكلفة وصلت إلى المستوى المتفق عليه في العقد مما يسمح للمستثمر بإيقاف الدفع. ووفقا لبلومبرج، فإن استكمال المشروع قد يتطلب مساعدة مالية من الحكومة البريطانية.

يخضع خيار قاعدة الأصول المنظمة في المملكة المتحدة لقانون (تمويل) الطاقة النووية المعتمد في مارس/ آذار 2022. ويهدف إلى “توفير نموذج جديد لتمويل محطات الطاقة النووية الجديدة في المملكة المتحدة”. وقد جاء في ملخص مشروع القانون: “ينشئ مشروع القانون إطارًا لنموذج قاعدة الأصول المنظمة (RAB) الذي سيُستخدم. ويُتوقع أن يسمح هذا النموذج لمستثمري القطاع الخاص، مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين، بتمويل المشاريع النووية الجديدة، وتقليل الاعتماد على المستثمرين الأجانب.  ستُموّل محطات الطاقة النووية الجديدة الممولة من خلال نموذج قاعدة الأصول المنظمة عبر فرض رسوم على موردي الكهرباء، الذين من المتوقع أن ينقلوا التكلفة إلى المستهلكين“.

قالت هيئة أسواق الغاز والكهرباء البريطانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 إن أول محطة للطاقة النووية في المملكة المتحدة ستُموّل بموجب نموذج قاعدة الأصول المنظمة هي محطة سايزويل سي. ومع ذلك، لم تكن هذه المحطة بمنأى عن مشاكل التمويل أيضًا. فقد اضطرت الشركة العامة الصينية للطاقة النووية للانسحاب من المشروع تحت ضغط من الحكومة البريطانية. كما أفيد في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن المملكة المتحدة دعت بعض المؤسسات المالية الإماراتية للاستثمار في سايزويل سي، ولكن لا يوجد حتى الآن يقين بشأن المستثمر الجديد حيث سُميّ ممولون مختلفون بين المرشحين.

فرص التمويل المستدام

تلعب آراء رؤساء الدول والحكومات المشاركة في المشاريع دورًا مركزيًا في نماذج تمويل البناء النووي الحالية. وتشارك الحكومة إما عن طريق توفير أموال طويلة الأجل منخفضة الفائدة بشكل مباشر أو عن طريق تقديم ضمانات عامة بتوفير القروض.

تكتسب أدوات التمويل المستدامة أو الخضراء التي تقدم أسعارًا أقل للمستثمرين في المشاريع المتوافقة مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة أهمية متزايدة. وفي معرض حديثهم على هامش مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، دعا قادة الصناعة النووية المؤسسات المالية إلى مراجعة سياساتها النووية وتأمين الاستثمارات الخضراء والاجتماعية والحوكمة في مشاريع محطات الطاقة النووية الكبيرة والصغيرة لتوسيع قدرة التوليد النووي، مما سيؤدي إلى انخفاض الانبعاثات وتحسين أمن الطاقة.

بشكل عام، كان التمويل الأخضر موضوعًا رئيسًا على جدول أعمال روسيا في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28).  فقد قال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف: “تتضمن أجندتنا الأدوات المالية، والسندات الخضراء، والأفضليات الضريبية، وإنفاق الميزانية. ما نركز عليه هو أنه لا يمكن حل أي قضية مناخية لأي بلد على حساب بلد آخر. “سندافع عن أجندتنا“.

وستؤدي مجموعة واسعة من أدوات التمويل الأخضر المتاحة إلى استخدام أوسع للتكنولوجيا النووية الروسية في بناء قدرة توليد نووية آمنة وموثوقة، وبالتالي المساهمة في النمو الاقتصادي، وإمدادات الكهرباء بأسعار معقولة وتحسين نوعية الحياة.