الطاقة النووية تحصل على الضوء الأخضر
اشترك في النشرة الأخبارية
اشترك
#256أغسطس 2022

الطاقة النووية تحصل على الضوء الأخضر

العودة إلى المحتويات

اعترف الاتحاد الأوروبي، أخيرًا، أن الطاقة النووية تستوفي معايير الاستدامة. فالطاقة النووية، في سياق أزمة الطاقة اليوم وأجندة المناخ التي ما تزال وثيقة الصلة بالموضوع، لا تبدو أقل جاذبيةً مما كانت عليه منذ خمسين عامًا، وهذا مثبت بالأرقام، بما في ذلك تقديرات التكلفة.

الاعتراف الأوروبي

في يوليو/ تموز 2022، عارض 328 عضوًا في البرلمان الأوروبي محاولةَ منع إدراج الغاز والطاقة النووية في تصنيف الاتحاد الأوروبي، وهو نظام تصنيف يضع قائمةً بالأنشطة الاقتصادية المستدامة بيئيًا. وبلغ عدد أعضاء البرلمان الأوروبي الذين صوّتوا ضد الإدراج 278 نسمة، بينما امتنع 33 آخرون عن التصويت. قبل ذلك، وافقت المفوضية الأوروبية على اقتراح إدراج الطاقة النووية والغاز في التصنيف. بما أنه من غير المتوقع أن يصوّت المجلس الأوروبي ضد الغاز والطاقة النووية أيضًا، فمن المحتمل أن يتم تضمينهما في التصنيف في 1 يناير/ كانون الثاني 2023 كأنشطة انتقالية تساهم في هدف “صافي انبعاثات صفر” في أوروبا.

وقد صرّحت سما بلباو واي ليون، المديرة العامة للرابطة النووية العالمية، وهي منظمة دولية تمثّل الصناعة النووية العالمية، على نتائج التصويت قائلةً: “التصويت الإيجابي للبرلمان الأوروبي يبعث تأييدًا واضحًا للطاقة النووية إلى المجتمع المالي. تم الاستماع إلى العلم وإدراك أن الاستثمار المستدام في الطاقة النووية سيساعد الاتحاد الأوروبي في الوصول إلى صافي انبعاثات صفر بحلول عام 2050. والآن يجب على الحكوماتِ والمستثمرين والصناعة العمل بشكل عاجل، وتسريع نشر القدرات النووية الجديدة لتحقيق هذا الهدف“.

أما بالنسبة لروسيا، فقد تم إدراج الطاقة النووية في تصنيفها الوطني للأنشطة الاقتصادية المستدامة في وقت مبكر من مارس/ آذار في العام 2021.

تتمثل الفائدة الرئيسة لإدراج الطاقة النووية في تصنيف الاتحاد الأوروبي في أنه يؤمن الوصول إلى التمويل المستدام – أو “الأخضر”. حيث سيتمكن المستثمرون المؤسساتيون من الإشارة إلى المشاريع النووية كاستثمارات مستدامة، إضافة إلى زيادة نسبة ومقدار التمويل المخصص للأهداف المناخية الأوروبية (انظر الحاشية الختامية).

سيكون التمويل المستدام متاحًا في الغالب للمشاريع الأوروبية ولكن يمكن استخدامه أيضًا في مشاريع خارج الاتحاد الأوروبي. ووفقًا لتعليق صادر عن بنك بي إن بي باريبا الفرنسي، أحد أكبر البنوك الاستثمارية في العالم فإن: “تصنيف الاتحاد الأوروبي سيؤثر في الشركات غير التابعة للاتحاد الأوروبي، نظرًا للطبيعة العالمية للأسواق المالية والتدفقات التجارية. على سبيل المثال، يخضع المستثمر من خارج الاتحاد الأوروبي أو المستشار المالي الذي يقدم منتجات في أوروبا للائحة الإفصاح عن التمويل المستدام (SFDR)، الأمر الذي يتطلب التوافق مع تصنيف الاتحاد الأوروبي للمنتجات الاستثمارية. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يُطلب من المستثمرين في شركة غير تابعة للاتحاد الأوروبي تقديم معلومات حول توافق الشركة مع تصنيف الاتحاد الأوروبي وذلك من قبل مستثمرين مقيمين في الاتحاد الأوروبي“.

الطاقة النووية تفيد المناخ أكثر من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح

أثارت أزمة الطاقة، التي اندلعت في النصف الثاني من العام 2021، اهتمامًا أكبر بتوليد الطاقة النووية كمصدر للطاقة خالٍ من الكربون ويمكن الاعتماد عليه، ومستقل تقريبًا عن الطقس. وكما ذكرنا في النشرة الإخبارية لشهر تشرين الثاني/ نوفمبر، فقد ظهر اتجاه مماثل في العام 1973 استجابةً لأزمة الطاقة في ذلك الوقت.

تم توضيح النقطة ذاتها في تقرير “الطاقة النووية وانتقالات الطاقة الآمنة” الذي نشرته وكالة الطاقة الدولية في يوليو/ تموز: “في العقد الذي أعقب صدمة النفط في العام 1973، بدأ بناء ما يقرب من 170 غيغاواط من محطات الطاقة النووية. لا تزال هذه المحطات تمثل 40٪ من القدرة النووية الحالية. بلغت الإضافات النووية في العقد الماضي 56 غيغاواط فقط. مع دعم السياسات والضوابط الصارمة للتكلفة، يمكن أن تؤدي أزمة الطاقة اليوم إلى انتعاش مماثل للطاقة النووية“.

ويشير التقرير إلى أن الطاقة النووية هي الحل الأمثل لكل من قضايا أمن الطاقة والبيئة، حيث جاء فيه: “تساهم الطاقة النووية، بقدرتها 413 غيغاوات التي تعمل في 32 دولة، في كلا الهدفين من خلال تجنب 1.5 غيغا طن من الانبعاثات العالمية و180 مليار متر مكعب من الطلب العالمي على الغاز سنويًا”، أي أنه يمكن تحقيق كلا الهدفين من خلال التكنولوجيا النووية.

يقدم معدّو التقرير توصيات سياسية للدول التي تنوي تطوير الطاقة النووية (انظر التعليق الختامي). يقول التقرير أيضًا إن المشاريع النووية في الاقتصادات المتقدمة يجب أن تكلف حوالي 5000 دولار أمريكي للكيلوواط في عام 2030. إذا أردنا أن تنافس الطاقة النووية مصادر الطاقة المتجددة، فيجب أن تكون تكلفتها أقل: “سيتطلب وجود دور أكبر للطاقة النووية انخفاضًا أكبر في تكاليف البناء. تعد محطات الطاقة الكهرومائية والطاقة الحيوية والوقود الأحفوري المجهزة بتكنولوجيا التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه CCUS هي البديل الرئيس لمصادر الانبعاثات المنخفضة والقابلة للتوزيع للطاقة النووية. وحيثما توجد إمكانية لتوسيع هذه البدائل وعندما تكون تكنولوجيا التقاط الكربون وتخزينه متوفرة تجارياً، فإن تكاليف إنشاء الطاقة النووية يجب أن تنخفض إلى 2000-3000 دولار أمريكي / كيلوواط (في عام 2020 بالدولار) لتظلّ قادرةً على المنافسة“. وكما هو مقدر في التقرير، يجب أن تكون التكلفة المتوازنة لتوليد للكهرباء في مشروع نووي ممكن 40-80 دولارًا أمريكيًا لكل ميغاواط ساعي، مع مراعاة تكلفة التمويل وإيقاف التشغيل والتخلص من النفايات. الرسالة بسيطة: يجب على مالكي المشروع النووي أولاً تقليل نفقات رأسمال لإثبات أن الطاقة النووية تستحق الاستثمار فيها.

على النقيض من ذلك، استخلص معدّو الدراسة التي تحمل عنوان “القيمة الاقتصادية للطاقة النووية في أنظمة الطاقة المستقبلية” من جامعة جرونينجن (هولندا) استنتاجات مختلفة تمامًا. على الرغم من أنها خارج الاتجاه السائد، إلا أن استنتاجاتهم تبدو موثوقة تمامًا لأنها تستند إلى إحصاءات حقيقية لسوق الطاقة الهولندي.

فقد قارن الباحثون اقتصاديات استثمارات الطاقة المتجددة باقتصاديات توليد الطاقة النووية في السوق، حيث تمتلك مصادر الطاقة المتجددة بالفعل مساهمة كبيرة في مزيج الطاقة. وفقًا لإحصاءات هولندا، شكّلت مصادر الطاقة المتجددة 12٪ من توليد الطاقة الوطني في عام 2021. ويمكن افتراض أن هذه النسبة المئوية يُنظر إليها بالفعل على أنها “مساهمة كبيرة”. ولأغراض المقارنة، حصل التوليد النووي على 3.1٪ في عام 2021، وفقًا لنظام معلومات مفاعل الطاقة PRIS.

وفقًا لنظام معلومات مفاعل الطاقة PRIS.

اشتملت الدراسة على محطة للطاقة النووية ومزارع رياح برية وبحرية ومزرعة شمسية، كل منها بسعة 1 غيغاواط. استندت الحسابات إلى تقديرات الجهات الخارجية المتاحة. وفقًا لهم، يمكن بناء وحدة للطاقة النووية مقابل 4.2 مليون يورو لكل 1 ميغاوات (تقدم وكالة الطاقة الدولية تقديرات أعلى) في غضون سبع سنوات بعد الترخيص، والتي ستعمل لمدة 60 عامًا. بعد ذلك، سيتم إيقاف تشغيل الوحدة مقابل 15٪ من تكلفتها الأولية.

عند المقارنة، تُظهر التكلفة والقيمة الحالية للاستثمارات في المحطات النووية ومزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح (سواء البرية أو البحرية) أن الدعم سيكون مطلوبًا في كل سيناريو يتم تغطيته وبغض النظر عن تكنولوجيا التوليد المستخدمة، ولكن الطاقة النووية أكثر كفاءة من حيث التكلفة. وخلص معدّو التقرير إلى أنه: “استنادًا إلى عدد من السيناريوهات المتعلقة بسوق الكهرباء (الهولندي)، نجد أيضًا أن محطة الطاقة النووية تحتاج إلى مزيد من الدعم (باليورو / ميغاواط ساعة) من توربينات الرياح البرية، ولكن هذا الدعم هو أقل من الدعم المطلوب لتركيب الطاقة الشمسية الكهروضوئية ومزرعة الريح البحرية. ومع ذلك، في سيناريو يحتوي على نسبة عالية من مصادر الطاقة المتجددة، يتطلب أيضًا توربينات الرياح البرية دعمًا أكثر من محطة الطاقة النووية، وهو ما يرتبط بالانخفاض القوي في سعر الالتقاط لمحطات الطاقة المتجددة. ومن ثم، عندما تكون هناك قدرة كبيرة ثابتة من مصادر الطاقة المتجددة، فإن الاستثمار في محطة للطاقة النووية يكون أكثر كفاءة من زيادة توسيع القدرة المتجددة”.

يمثّل بناء مصادر طاقة متجددة جديدة تهديدًا للتوليد المتجدد نفسه حيث ينخفض سعر التقاط الكهرباء، على النحو التالي في التحليل، من 50 يورو إلى 10 يورو لكل ميغاوات ساعي. نتيجةً لذلك، يصبح توليد الطاقة المتجددة غير فعال من حيث التكلفة وتتوقف مزارع الرياح عن إنتاج الطاقة. هذا هو العامل الرئيس الذي يمنع التوسع في الطاقة المتجددة. عندما تكون حصة توليد الطاقة المتجددة كبيرةً، فإن أسعار الالتقاط المنخفضة ليس لها تأثير كبير في الطاقة النووية. ينخفض السعر من 40 يورو إلى 35 يورو فقط لكل ميغاوات ساعي لأن محطات الطاقة النووية تنتج وتزود الكهرباء عندما لا تعمل مصادر الطاقة المتجددة.

يُظهر تحليل النموذج أن التكلفة المتوازنة للكهرباء ليست ثابتة عبر تقنيات التوليد نظرًا لاعتمادها الشديد على السوق. ففي سيناريو يفترض وجود عدد كبير من مصادر الطاقة المتجددة ونمو متواضع فقط في الطلب، يتقلص استخدام كل تكنولوجيا التوليد. السبب بسيط: عندما تصبح أسعار الكهرباء منخفضة للغاية، يضطر المنتجون ذوو هوامش الربح المنخفضة إلى وقف التوليد. ولكن حتى لو تم دعم توليد الطاقة المتجددة، فمن المعقول عدم تقديم الدعم عندما ينخفض سعر السوق عن الهامش. إذا كان الإنتاج المتجدد كبيرًا، فإن الكثير من طاقة التوليد متوقفة وتنمو التكلفة المتوازنة للكهرباء. تم التوصل إلى هذا الاستنتاج بغض النظر عن أي قيود محتملة للشبكة قد يتم فرضها على الطاقة المتجددة بسبب الأحمال الزائدة في الظروف الجوية المواتية لذلك. إذا استمرت قيود الشبكة، فسيكون ناتج الطاقة المتجددة أقل بكثير.

الأهداف المناخية للاتحاد الأوروبي

  1. التخفيف من آثار تغير المناخ
  2. التكيف مع تغير المناخ
  3. الاستخدام المستدام وحماية الموارد المائية والبحرية
  4. الانتقال إلى الاقتصاد الدائري
  5. منع التلوث ومكافحته
  6. حماية واستعادة التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية

إذا زادت حصة التوليد المتجدد، ينخفض استخدام الطاقة النووية من 90 إلى 60٪. بالأرقام النسبية، يتناقص استخدام الطاقة المتجددة أيضًا. وهذا تأكيد آخر على أن حصة كبيرة جدًا من توليد الطاقة المتجددة تجعل نظام الطاقة بأكمله أقل كفاءة من حيث التكلفة. حيث يؤدي تزايد الطلب إلى مستويات جزئية من هذا التأثير.

قارن مؤلفو الدراسة أيضًا دعم خفض الانبعاثات في كل تقنية توليد. في سيناريو مع حصة أكبر من السعة المركبة، تكون تكاليف خفض الانبعاثات المقاسة باليورو لكل طن من ثاني أكسيد الكربون أقل بالنسبة للطاقة النووية مقارنة بالرياح أو الطاقة الشمسية. ويعزى ذلك أيضًا إلى انخفاض أسعار الاستحواذ على الطاقة المتجددة. يلخص المؤلفون قائلين إن “هذا يعني أن تركيب محطة للطاقة النووية أكثر كفاءة من التقنيات المتجددة لتقليل انبعاثات الكربون“.

كما خلص الباحثون إلى أن مصادر الطاقة المتجددة – رغم أي حافز سياسي – لن تكون كافية لتلبية أجندة المناخ. حيث يعدّ تزايد الطلب على الطاقة التي تغذيها الكهرباء وإنتاج الهيدروجين أحد الأسباب. هذا هو السبب في وجود اهتمام متزايد بالطاقة النووية كمصدر آخر للطاقة غير الكربون. على سبيل المثال، أعلنت الحكومة الهولندية مؤخرًا أنها ستصادق على بناء وحدتين للطاقة النووية في هولندا.

نظرًا للتجميد المستمر في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، قد يتساءل المرء كيف يمكن أن تستفيد روساتوم من اعتراف الاتحاد الأوروبي بأن الطاقة النووية مستدامة، ومن اقتراح وكالة الطاقة الدولية تدابير لتطوير توليد الطاقة النووية، وإثبات هولندا أنه من المنطقي بناء محطات نووية عندما تأخذ مصادر الطاقة المتجددة حصة كبيرة في مزيج الطاقة.

أولاً، يمكن استخدام الأساليب التي يستخدمها العلماء الهولنديون من قبل أي دولة أخرى، بما في ذلك الدول غير الأوروبية، لحساب تكلفة أمن الطاقة وتقليل انبعاثات الكربون، وفهم كفاءة تكلفة المحطات النووية، ثم عقد صفقات مع شركة روساتوم.

ثانيًا، تحافظ شركة روساتوم على ريادتها في مجال الإنشاءات النووية الجديدة في جميع أنحاء العالم – حتى لو فضلت وكالة الطاقة الدولية نسيان الإنجازات الروسية في مجال توليد الطاقة النووية – حيث تمتلك خبرة نووية واسعة، وهي على استعداد لمشاركتها مع شركائها.

توصيات سياسة الوكالة الطاقة الدولية

  1. إطالة عمر المفاعلات النووية
  2. جعل أسواق الكهرباء تقدر قدرة الانبعاثات المنخفضة القابلة للتوزيع
  3. إنشاء أطر تمويلية لدعم المفاعلات النووية الجديدة
  4. تعزيز تنظيم السلامة بكفاءة وفعالية
  5. تطبيق حلول للتخلص من النفايات النووية
  6. تسريع تطوير ونشر المفاعلات المعيارية الصغيرة
  7. إعادة تقييم الخطط حسب الأداء

ثالثًا، المشهد السياسي، بالتعريف، يدور دائمًا حول “هنا، الآن”. وعلى العكس من ذلك، فإن الطاقة النووية، وبحكم تعريفها، تعني دائمًا عقودًا من التعاون، بل وحتى قرنًا من الزمان. خلال 80 عامًا من وجودها، شهدت صناعة الطاقة النووية حروبًا وسلامًا، وتجميدًا وذوبانًا عالميا. لهذا السبب نقول نعم للطاقة النووية ويجب أن نكون سعداء لأن العالم مهتمٌّ مرةً أخرى بالطاقة النووية. ليس هناك شكّ في أن هذا الإحياء النووي سيزيد الطلب على المعرفة والكفاءات والقدرات الهندسية لشركة روساتوم بطريقة أو بأخرى.